المدينة القديمة تحتضن مكتبة قدري معروف التاريخية
مكتبة مصطفى قدري معروف من المكتبات التاريخية في مدينة طرابلس تأسست سنة 1917 م اثناء الاحتلال الايطالي لليبيا بمبنى السراى الحمراء لذلك عرفت بالمكتبة الحكومية وتم التعامل معها على اساس مكتبة وطنية حتى بداية ثمانينيات القرن الماضي لعدم وجود مكتبة وطنية في تلك الفترة وكانت جميع محتوياتها مراجع ايطالية ومن هنا اكتسبت اهميتها التاريخية وفي فترة الانتداب البريطاني لليبيا تم نقلها إلى شارع ميزران مجاورة لمدرسة علي وريث الثانوية المبنى القديم واصبحت مكتبة مركزية حكومية تابعة لوزارة الاعلام والثقافة حيت اضيف إليها العديد من الكتب والمراجع والدوريات وفي مختلف اللغات حتى وصلت محتوياتها سنة 1959 م إلى حوالي ثلاثون الف مجلدا في مختلف فروع المعرفة وكان لها لائحة تنظم عملها مثل نظام الاشتراك ونظام الاعارة وأصبحت تقدم خدمات ممتازة للقراء لمختلف الاعمار
إلا أن هذه المكتبة اختفت عن الانظار قبل التحرير عندما قامت وزارة الثقافة في تلك الفترة بأعمال صيانة للمبنى التي تعطلت لفترة طويلة مما تسبب في تلف أجزاء من الكتب المرمية في حديقة المكتبة نتيجة سقوط الأمطار مما اضطر المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية إلى نقل جزء منها لمكتبة المركز والباقي تم نقلها إلى مقر خاص بما كان يعرف في السابق بأمانة المؤتمر بمنطقة عين زارة وبعد التحرير تحول هذا المبنى إلى مجلس عسكري للمنطقة، ولم تتحرك وزارات الثقافة في ذلك الوقت لإنقاذها، والمكتبة بقيت تنتظر من يعيدها إلى مكانها الأصلي، وكنا نخشى أن نفقدها مثل ما فقدنا مكتبة الأوقاف التي كانت بعمارة الأوقاف بميدان الشهداء حتى سنة 1978م بعد هدم هذه العمارة وانتقلت هذه المكتبة إلى عمارة الأوقاف بباب الحرية المطلة على شارع عمر المختار، وكذلك اختفاء مكتبة مصطفى الخوجة الكاتب التي تأسست سنة 1748م الواقعة بزنقة الريح في المدينة القديمة التي تضم مخطوطات في مختلف فروع المعرفة ومجموعة من الكتب القديمة في اللغة والفقه والحديث والتاريخ والأدب وايضا مكتبة أحمد النائب الأنصاري وهي غنية بمصادر التراث الليبي وتضم المصادر الأندلسية والمغربية والعديد من المراجع النادرة، وكذلك مكتبة اسماعيل كمالي التي تحتوي على مجموعة كبيرة من المخطوطات والوثائق المتعلقة بالتراث الليبي، إلى جانب اغلب مكتبات المساجد والكتاتيب والزوايا في ليبيا.
لقد كانت ليبيا مركزا للكثير من الحضارات الغنية بالتراث الثقافي والاجتماعي والاقتصادي أهمها الحضارة الرومانية، والحضارة الإغريقية، وكانت لها صلات وثيقة بحضارة مصر القديمة، وتعتبر ليبيا في مقدمة الدول التي اهتمت بالكتب والمكتبات، ففي القرن الثاني قبل الميلاد كان كليماخوس في بداية حياته أمينا لمكتبة شحات ثم انتقل لمكتبة الاسكندرية الشهيرة كمصنف للكتب وأعد لها فهرسا يقع في 120 مجلدا، ويعتبر هذ ا الفهرس الأول من نوعه في تاريخ وضع الفهارس الذي يشتمل على السيرة الذاتية لأشهر المؤلفين، أما تلميذه ارانرنسس فقد اصبح رئيسا لمكتبة الاسكندرية بعد ان انتقل إليها.
من هنا نتساءل هل يعقل أن مدينة مثل طرابلس بثرائها الثقافي والاجتماعي والمعماري وسكانها الذي يزيد على المليونين لا توجد بها مكتبة عامة باستثناء مكتبات جهاز إدارة المدينة القديمة اطرابلس، ففي جميع دول العالم المكتبات تتزايد وتنمو أما في ليبيا المكتبات تتناقص وتنقرض، ومن هنا تدخل جهاز إدارة المدينة القديمة لإنقاذ هذه المكتبة باعتبارها مكتبة تاريخية وحرصه على نشر الثقافة والعلم بين افراد المجتمع، وكان لدينا أمل كبير في عودة مكتبة مصطفى قدري معروف التاريخية إلى مكانها الطبيعي خاصة بعد ان قام جهاز إدارة المدينة القديمة عام 2022م بتخصيص مبنى تاريخي “حوش محمود بي” الذي يقع في زنقة الفرنسيس في منطقة باب البحر في المدينة القديمة والذي شيد في بداية فترة حكم الأسرة القرمانلية التي تولت حكم إيالة طرابلس الغرب من 1711-1835م.ويتميز حوش محمود بي بسمات معمارية متعارف عليها في تلك الفترة وهو يشكل شاهداً على التطور المعماري للبيوت الطرابلسية في تلك الفترة بما تحتويه من نظام الأفنية والأروقة التي تتخللها الأعمدة والتيجان والعقود والمشغولات الخشبية والمعدنية إلى جانب حجرة القبو والمداخل والنوافذ والأسقف وغيرها.
وقد احتفظ حوش محمود بي بحالته المعمارية رغم تعدد استعمالاته عبر الفترات الزمنية، وقام الجهاز بأعمال الترميم والصيانة لهذا المبنى وتخصيصه لوزارة الثقافة لعودة هذه المكتبة التاريخية لنشاطها السابق والأعمال تجري الآن لاستكمال الإجراءات مع وزارة الثقافة لتجهيز المبنى، وبذلك تعود مكتبة مصطفى قدري معروف إلى مكانها الطبيعي وتعم المعرفة كافة أفراد المجتمع ولتنعم ليبيا بالأمن والآمان، فلا أمن بدون ثقافة فثقافة الإنسان الليبي هي الأساس الذي تبنى عليه البلاد.
كتب/ يوسف خليل الخوجة
بعض محتويات المكتبة